الشاحنة المسروقة
ظهر قبل أيام مقطعاً مرئياً مشيناً؛ احتوى على سطو شاحنة؛ كانت واقفة على قارعة طريق في المنطقة الشرقية، حيث تسابق بعض المارة على سرقة حمولتها من الشراب الصناعي للتوت ؛ والذين تجرأوا على ارتكاب هذا الفعل الفضيع، والجرم الشنيع؛ فلا حياء يمنعهم، ولا وازع يردعهم.
كما انتشر قبل فترة مقطع آخر ؛ تحترق منه ألماً، وتشتعل بسببه غضباً ؛ إذ ظهرت امرأة قامت بالسرقة من أحد المتاجر؛ والبائع قائم عليه ومشغول بغيرها.
وهما مقطعان يضمان إلى عشرات المقاطع المخزية عن مجتمعنا، والتي نشرت على مواقع الويب ، منها: سطو مجرمين في حادثة سيول جدة، وحادثة انفجار ناقلة الغاز في الرياض، وحوادث سطو على محلات تجارية، ومتعلقات ضحايا؛ لحوادث سيارات، نسأل الله تعالى السلامة والعافية للجميع.
وهي مشاهد تكشف لنا مدى تدهور الوعي الديني، والوضع الأخلاقي لأولئك المعتدين، كما تعطينا صورة عن مستوى أنظمتنا الضعيفة ؛ التي لا تتابع أصحاب تلك المقاطع؛ حتى تعاقبهم بالعقوبات الصارمة والرادعة.
إننا مجتمع مسالم ومحافظ، لا نقبل الدنية، ولا نرضى بالأعمال الوضيعة، وقد كنا بالأمس نغلق محلاتنا التجارية بقطعة من القماش؛ ولا ينظر فيها أحد، واليوم لها حرس وتأمين وكاميرات مراقبة؛ ومع ذلك لم تسلم من التعدي عليها ؛ وفي وضح النهار وأمام أصحابها.
إن سرقة الأموال، ونهب الممتلكات، والتعدي على الثروات؛ أضحت مشكلة قائمة ، وظاهرة بارزة، تزداد يوماً بعد يوم؛ ففي إداراتنا تجد الحرامي يتظاهر بالصلاح والأمانة والوطنية؛ بينما هو يحرك البنود المالية كما يريد؛ ويستلم المشاريع وله فيها نصيب، عنده حصانة، ولا يجد المحاسبة ، ولا نستطيع سوى الشجب السري ، والاستنكار الخفي، علماً أن لوزارة الداخلية هاتفاً خاصاً (980)؛ للإبلاغ عن الفساد المالي والإداري في الدوائر الحكومية.
ومما هو معلوم؛ أن السارق إنسان ظالم، وعضو فاسد؛ اقترف جريمة عظيمة، وارتكب كبيرة منكرة، تتنافي مع الدين والمروءة والأخلاق والفضيلة ، ما يدعوه للسرقة ليس الفقر والحاجة؛ بل هي الدناءة والخسة؛ فكم من فقير وعاطل؛ نقي النفس ، عفيف اليد، قنوع بما قسم الله تعالى له، وكم من غني جمع ماله من اللصوصية، ولا زال يعيش على الاحتيال والاختلاس، والذل والمهانة.
نعم هناك ما يسمى باضطراب هوس السرقة؛ وهو ذلك الذي يظهر على المصاب ميل وشهية لسرقة أشياء لا يحتاجها للاستخدام، وليس فيها قيمة مالية تذكر؛ فالذي يدفعه لذلك وساوس وضلالات؛ تمكنت من نفسه العليلة، وعقليته الوضيعة، والتي يمكن معالجتها ؛ بفنيات من الإرشاد السلوكي والمعرفي لدى المختص المتمكن.
أما العلاج الناجع في اجتثاث جريمة السرقة ؛ فهو تطبيق شرع الله تعالى في قطع يد السارق؛ ليكون بذلك عبرة؛ لمن يمد يده إلى ما ليس من حقه، وقبل هذا علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على الاستقامة والبساطة، والعفة والقناعة ، والرضا باليسير القليل، ومحبّة الخير للغير، و(من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عرضه أو من شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه…) رواه البخاري.
د.عبدالله سافر الغامدي ـ جده.
صفحة جديدة 2