صورة قطار المشاعر المحطمة
صورة قطار المشاعر المحطمة
بدر المطوع
نال قطار – مترو- المشاعر المقدسة اكبر قدر من سهام السخرية والتندر بين كل المشاريع التي يجري انجازها حالياً في المملكة. لقد سُحقت صورته الذهنية عند معظم المجمتع السعودي واعتبروه في النهاية تبذيراً للمال العام. بل ان ضرر السمعة لحق بمشاريع القطارات كافة، وأولها "قطار الحرمين السريع".
ويبدو السبب بسيطاً للغاية ومؤسفاً في الوقت نفسه. فالقائمين على انجاز –مترو- المشاعر انشغلوا بعمليات التشييد الضخمة على الأرض، وتجاهلوا تماماً عملية "بناء الصورة الصحيحة" في ذهن الرأي العام أو من يفترض انهم مستخدمين لخدمة المشروع في أي موسم حج أو عمره مستقبلاً.
لا تزال كثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية وحتى الشركات الكبيرة تُنجز مشاريعها المهمة وفق المبدأ الشهير "دع الاعمال تتحدث عن نفسها"، والعبارة الشقيقة "المهم هو الافعال لا الاقوال". لكن وقائع العصر ووسائل الاتصال فيه وتنوعها لا تدعم مثل هذا المبدأ النبيل، خصوصاً بالطريقة التقليدية السابقة.
ها نحن نسمع في الإذاعة ونشاهد في التلفزيون العديد من المسؤولين عن المشروع يبادرون إلى الحديث بتوسع عن تفاصيله ومراحله مستخدمين الصور والمقارنات، موضحين لماذا تكلفته تتجاوز الستة بلايين ريا ل. والهدف بالطبع من هذا الظهور الإعلامي المتأخر هو "محاولة" التخفيف من ضرر تحطم السمعة نتيجة الانطباع الأولي عند الناس من شكل عربات –المترو- وتصميمها وحتى ألوانها. بل أن السخرية المقرونة بالغضب ذهبت إلى فرعيات وقضايا أخرى.
لقد سلب هذا الانطباع السيء أهمية الشعور الوطني الايجابي الذي يفترض ان يخلقه تلقائياً دخول السعودية إلى "عصر القطارات". فخلال طفرتي اسعار النفط الأوليَين اختارت البلاد وسيلتا نقل استراتيجيتين، هما النقل البري والجوي.
واجدني منحازاً إلى هذين الخيارين، في حينه، لأنهما كانا يوفران عنصري السرعة والراحة، فيما كان خيار النقل بالقطارات لا يتيح ذلك في العقود الماضية، فحظينا بشبكة طرق جبارة مقارنة بالوقت وتراكم التجربة التنموية، وبالتزامن مع ذلك حظينا بنحو 24 مطاراً تغطي جميع انحاء المملكة تقريباً. وجاءت الطفرة في اسعار النفط الحالية لتضيف لبلادنا خياراً استراتيجياً ثالثاً في وسائل النقل المتمثل في القطارات الحديثة بما فيها وسيلة المترو المتطورة.
ومن حسن حظنا أن يصادف وجود الوفرة المالية الجاهزة حالياً لإنفاقها على مشاريع تنموية كبرى، مع تطور هائل شهدته صناعة القطارات الحديثة. فوسيلة التنقل بالقطار سابقاً كانت محدودة بسرعات متدنية كثيراً مقارنة بسرعة السيارة أو الطائرة. كما أن ظروف الطقس لدينا تجعل وسيلة التنقل بالقطار سابقاً خياراً مضنياً للركاب، حيث لهيب حرارة الطقس هو سيد الموقف، مع غياب المناظر الخلالبة التي تسلي المرء في طريق طويل، وكثبان الرمل المتحركة مصدر خطر قائم على طول خط الرحلة، وتجربة قطار الدمام – الرياض تكفي. على العكس مما هو متحقق اليوم في عصر القطارات السريعة الذي انطلق بنجاح في دول عديدة وأثبت جدارته كخيار سريع ومريح وذو تكلفة مناسبة.
كل هذه الحقائق العامة وغيرها الكثير من الحقائق أصيب بالضرر بغلطة غير مقصودة من القائمين على مشروع قطار-مترو المشاعر المقدسة، وللأسف صادف هذا المشروع المغضوب عليه ان يكون أول مشاريع عصر القطارات في السعودية الجاهز للخدمة. وعلى رغم حجم التشويق والإثارة والمنجز السعودي الخالص في هذا المشروع، فأن السعوديين وغيرهم من المتابعين وقعوا ضحية الانطباع السلبي نتيجة غياب المعلومات وغياب فكرة "بناء السمعة الحقيقية" عن المشروع لدى القائمين على تنفيذه بجهد جبار ومشقة لا يمكن انكارها. وعندما نسمع من القائمين على انجاز مترو المشاعر المقدسة عن عدد الشركات الاستشارية المشاركة، اتساءل هل كان يصعب إضافة شركة استشارية مختصة ومقتدرة في مجال بناء "الصورة الذهنية الحقيقية" لمُنجز كهذا؟!.
( بـدر المطوع )
صفحة جديدة 2