الشعب السعودي ينعى رجل السياسة الأمير سعود الفيصل في ذمة الله
[[]
[/url
الصلاة عليه بعد العشاء في المسجد الحرام مساء السبت
الديوان الملكي يعلن وفاة "سعود الفيصل" في الولايات المتحدة
عبدالله البرقاوي- سبق- الرياض: أعلن الديوان الملكي، قبل قليل، وفاة الأمير سعود الفيصل اليوم الخميس ٢٢ رمضان في الولايات المتحدة الأمريكية. وذكر البيان أنه سيصلى على الفقيد في المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد صلاة العشاء يوم السبت 24 من شهر رمضان المبارك.
وقال البيان: "انتقل إلى رحمة الله تعالى هذا اليوم الخميس 22/ 9/ 1436هـ في الولايات المتحدة الأمريكية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية، وسيصلى عليه - إن شاء الله - في المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد صلاة العشاء يوم السبت الموافق 24 / 9 / 1436هـ".
وأضاف: "لقد عرف الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع الفقيد على مدى خمسة عقود قضاها في خدمة دينه ووطنه وأمته بكل تفان وإخلاص مضحياً في سبيل ذلك بصحته فكان - رحمه الله - رمزاً للأمانة والعمل الدؤوب لتحقيق تطلعات قيادته ووطنه وأمته. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وجزاه خير الجزاء عما قدمه لدينه ووطنه، إنا لله وإنا إليه راجعون".
الليلة الثانية والعشرون من رمضان 1436هـ الموافق التاسع من يوليو 2015 هو يوم حزين جدا وخسارة فادحة في حياة السعوديين لفقدان أحد أبرز رجالات الدولة السعودية في تاريخها. فرحيل مدرسة السياسة الخارجية المشرف على السياسة الخارجية وزير الخارجية السعودي السابق ومهندسها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل تغمده الله برحمته ليس فقط في التاريخ العربي ولكن حتى على المستوى العالمي هي حقيقة للتاريخ لا يمكن القفز عليها.
من أجمل ما قيل عنه إنه من الممكن أن تكون دبلوماسيًا محترمًا، أو سياسيًا رزيناً، وأن تتولى مناصب عديدة وأن تلعب أدواراً عدة لصالح دولتك ووطنك..الخ، ولكن أن تكون كسعود الفيصل فقد اختصرت واختزلت ذلك كله.
وما من سياسي عريق متفق عليه جدارته وخدمته لوطنه وأمته وقبل ذلك دينه ومليكه مثل الراحل سعود الفيصل، ولم يقتصر على أن يكون شاهداً على العصر بل كان أيضا صانعاً للتاريخ وللقرارات. جعله ذلك محل تقدير العالم أجمع.
- مكانة رائدة:
ولعل كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حين أكد أن إعفاء الراحل من وزارة الخارجية بناء على طلبه وتعيينه مشرفًا على السياسة الخارجية وعضواً في مجلس الوزراء كان من أصعب القرارات عليه حفظه الله وأبقاه.
أكثر من أربعين عاماً قضاها الراحل في منصبه مؤسساً ومتوجاً لمكانة عالمية لدولته وأعفي وعمره (75) عامًا بعدما حافظ وأرسى الكثير مما أكسب المملكة مكانتها العالية بين دول العالم أجمع. بعدما تحامل على المرض طوال سنين عديدة.
- محطات:
تولى الأمير سعود الفيصل منصبه منذ عام 1975. وهو ابن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ووالدته الأميرة عفت الثنيان آل سعود. نشأ الأمير سعود في بيئةٍ سياسيةٍ وكان قريباً من السلطة ويستمد الحكمة من والده.
حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1964. والتحق بوزارة البترول والثروة المعدنية حيث عمل مستشاراً اقتصادياً لها وعضواً في لجنة التنسيق العليا بالوزارة، وانتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن.
ثم عُيِّن نائباً لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط عام 1970. وفي عام 1971 عُيِّن وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية.
وبحكم عمله وزيراً للخارجية شارك في عضوية الكثير من اللجان العربية والإسلامية، مثل: اللجنة العربية الخاصة بلبنان، ولجنة التضامن العربي، واللجنة السباعية العربية ولجنة القدس واللجنة الثلاثية العربية حول لبنان ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث وغيرها.
- في عيونهم:
إن الذين شهدوا لسعود الفيصل هم من خارج بلاده، بل أغلبهم من أسماء تاريخية أو كان لها أثرٌ في تاريخ السياسة العالمية، لقد كان الفيصل أكثر إسلامية وعروبة من كونه سياسياً ذكياً، فقد صرخ بعد أحداث غزة وفي مجلس الأمن الدولي "حينما قال: إننا كعرب مسالمين نبحث في السلام, ولكنكم تماطلون وتسفهون كل مطالب السلام؛ لذلك إن تم ذلك مرة أخرى سنقوم بإدارة ظهورنا لكل قراراتكم والبحث عن خيارات أخرى ..".
يقول عنه "كوشنير" وزير خارجية فرنسا في مؤتمر صحفي: "الأمير سعود أكبر الساسة في العالم حنكة وحكمة"، ويقول وزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليبند: "سعود الفيصل يستطيع أن يحصل على ما يريد، ومنح السعودية قوة خارجية لا يُستهان بها".
فيما يقول أحد مستشاري الرئيس الروسي بوتين: "إن سعود الفيصل يتحدث بوضوحٍ تام يجعل محادثيه في حيرةٍ من أمرهم، كيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق؟".
- مهندس العلاقات:
إن المهارات التي تمتع بها قلما توجد لدى سياسي آخر، فهو يجيد عدداً من اللغات مما مكّنه من التعامل وسرعة البديهة حسب الموقف. يقول عنه كولن باول: "سعود الفيصل يعادل اللوبي اليهودي! بل يعتبر لوبياً سعودياً!".
يُروى عنه أنه في أحد المؤتمرات العالمية قام بخلع السماعات عندما بدأ الوفد اليهودي بالحديث.. وحينما سُئل عن السبب: "قال إنه غير مهتم، وليس لديه وقتٌ ليسمع ماذا سيقول الوفد اليهودي؟!".
أيضاً يعتبر الفيصل من مهندسي العلاقات السعودية مع العالم في المجالات كافة، فعلى سبيل المثال، يعتبر ممّن كان له دورٌ في صفقة الصواريخ الصينية، وهو واضع علامات التفاهم لاجتماع الطائف إبّان حرب لبنان الأهلية.
- من حياته:
أما حياته الخاصة ويومياته، فهي الأكثر إدهاشاً وقليلٌ منها ما نُقل عن الذين من حوله ومما نُقل عنه أنه من الذين يشعرون بأن وقته ليس ملكاً لنفسه.. لذلك لا يضع جدولاً لنومه واسترخائه! بل إنه تكاد ألا تجد صوراً شخصية له، فكل المنتشر هي صور أثناء مؤتمرات أو عمل.. بل يصفونه أثناء رحلاته الطويلة بأنه يقضي معظم وقته في قراءة قضية أو ملف سياسي سيذهب إليه أو مُدرج في جدوله". وهو من السياسيين الذين لا يفضلون الجلوس على مكاتبهم خلال أكثر من أربعين عاماً من السياسة التي تتطلب اليقظة الدائمة والحرص والمتابعة.
يقول أحد العاملين معه: "لا يجلس في مكتبه الوزاري كثيراً .. منذ 40 عاماً لم يغيّر سعود الفيصل مكتبه سوى مرتين فقط! بل أمرنا بألا نغيّر الأثاث حتى يتلف.. !". ويقول آخر: "عرضت على سموه أن يتم تجديد أحد مكاتب المستشارين بسعر ضخم من شركه معروفة! فرفض.. وأمر بتجديد الأثاث من أحد أسواق الحراج الشهيرة".
- الحكمة والصراحة:
سعود الفيصل هو نفسه الذي لم يتخل عن صراحته ولا عن تجسيد حكمة قيادة دولته في أصعب المواقف، ردّد أيضا في المكان ذاته أن "المملكة العربية السعودية تحمّل الأطراف الدولية التي تعطل التحرُّك الدولي المسؤولية الأخلاقية عمّا آلت إليه الأمور"، كما أنه هو ذاته الذي يؤكّد تسامح الموقف السعودي عندما يحتمل الوضع (التسامح) في حنكة السياسة ليقول: "إيران دولة جارة لو تقدمت بخطوة حسنة سنتقدم بخطوتين"، رغم سخونة الوضع واستفزازات إيران.
ومن الأمثلة الأخرى على صراحته عندما صرح في كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك أن "سياسة الولايات المتحدة في العراق، تُعمّق الانقسامات الطائفية إلى حد أنها تسلم البلاد فعلياً لإيران". وقال في قلب أمريكا: "... إنكم تتحدثون الآن عن السُّنة كما لو كانوا كياناً منفصلاً عن الشيعة، الإيرانيون يذهبون إلى المناطق التي تؤمّنها القوات الأمريكية (المحتلة) ويسلحون المليشيات التي هناك وهم يحتمون أثناء قيامهم بكل هذا بالقوات البريطانية والأمريكية".
- مفصليات:
بل وأيضا من أبرز وقفاته الصريحة تعقيبه على كلمة الرئيس الروسي التي وجهها للعرب في اجتماع جامعة الدول العربية الشهير. والتي عكست المواقف الثابتة والمبادئ للمملكة العربية السعودية تجاه التمسك بعدالة القضايا العربية.
- ملفات:
من أبرز الملفات التي أدارها ببراعة في تاريخه سياسة المملكة وهي ممتدة على مدى التاريخ الذي تولى فيه ومن أبرزها الحرب اللبنانية والعراقية - الإيرانية ومبادة السلام العربية عام 2007، وكذلك الدفاع عن المصالح الخليجية والعربية. والعلاقات مع الغرب والدول العظمى، وصولاً إلى التحالف العربي ضد التدخل الإيراني في اليمن والاعتداء على الحدود السعودية.
مؤكداً في كل ذلك على المبادئ الثابتة للمملكة ولا يمكن هنا نسيان كلمته الشهيرة: "لا نتدخل فيِ شؤوِن الآخرين ولا نقبلِ التدخل في شؤوننا، وأي إصبعَ يمتدَ في وجهَ الممَلكة، ﺳنقطعه".
لقد كانت وما زالت ثقة القيادة به لا حدود لها، بل يُوصَف بأنه الوزير السعودي المصرّح له باتخاذ القرارات فورياً للثقة به. وعُرِف عنه عزوفه عن الظهور. إن "سعود الفيصل" كما يراه المتابعون يمثل بُعداً نادراً للسياسي المحنك قلما تجد له نظيراً حالياً، ألم يقل مستشارو الرئيس الروسي: "كيف يمكن لوزير خارجيةٍ أن يكون بكل هذا الصدق؟!".
- عمق وولاء
وقبل ذلك لا يمكن للكلمات أن تجسد عمق الولاء والمحبة لديه لقيادته الرشيدة ويمكن أن نستدل على ذلك ببكائه أمام مجلس الشورى حينما لامس الحديث ذكري الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وغفر له. كما يمكن الإشارة لكلمته التي وجهها بعد تنحيه الإرادي عن وزارة الخارجية، إذ وجه برقيته لمليكه وفيها:
"سوف أظل الخادم الأمين". ما تضمنته برقية الملك لي من كلمات تعبر عن كرم نفسه وأصالة معدنه، أكثر مما يستحقها شخصي المتواضع، وأكبر من جهد المقل الذي صاحب عملي وزيرًا للخارجية".
http://sabq.org/LmuGHe