في سبيل الــ يابان
في سبيل الــ يابان
كان الإحساس نائم منذ يضعة أشهر ، وفجأة قرأت منذ ثلاثة أيام قصيدة الشاعر حافظ ابراهيم :
"لا تلم كفى إذا السيف نبا " والتي لو أذنوا لي أن أختار لها اسما غير هذا لاسميتها " أنا ياباني "
فأحيت القصيدة بداخلي شعورا لن تعرفه إلا إذا همَّكَ ما همَّني ، وتأملتَ ما أتأمل .
وتذكَّرتُ قصة بداية ظهور المارد الياباني بعد الهزيمة المذلة من الحلفاء .
ويالها من قصة ، . بطلها رجل واحد
لكنه رجل جاهد في سبيل اليابان .
كافر لا يعرف ربه العظيم ، لكنه يقول :في سبيل اليابان يهون كل شي .
إنه اوساهير الطالب الياباني الذي بعثته حكومته للدراسة في المانيا فنقل قوة أوربا إلى اليابان ، ونقل اليابان إلى العالم .
يقول أوساهير: لو أنني اتبعت نصائح أساتذتي الألمان الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت الى شي ، كانت حكومتي ارسلتي لأدرس أصول الميكانيكا العلمية كنت احلم بأن تعلم كيف اصنع محرك صغير كنت اعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية ، او مايسمى موديل هو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفت كيف تصنع وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها ، وبدلاً من أن يأخذني الاساتذه الى معمل او مركز تدريب عملي اخذوا يعطونني كتبا لأقرأها وقرأت حتى عرفت نظرية الميكانيكا كلها ولكنني ظللت أمام المحرك - أياً كانت قوته- وكأنني اقف أمام لغز لا يُحلَّ ، وفي ذات يوم ، قرأتُ عن معرض محركات ايطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي ، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين ، ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته ، وحملت المحرك ، وكان ثقيلاً جداً ، وذهبت الى حجرتي ، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر اليه ، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر ـ وقلت لنفسي : هذا هو سر قوة أوربا ، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان ، وطاف بذهني خاطر يقول : أن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى ، مغناطيس كحدوة الحصان، وأسلاك ، واذرع دافعه وعجلات ، وتروس وما الى ذلك ، لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها ، ثم شغلته فاشتغل فسأكون قد خطوة خطوة نحو سر "موديل " الصناعة الأوربية ، وبحثت في رفوف الكتب التي عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات وأخذت ورقاً كثيراً ، واتيت بصندوق أدوات العمل ، ومضيت أعمل ، رسمت المحرك ، بعد ان رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه ، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة ، وكلما فككت قطعة ، رسمتها على الورقة بغاية الدقة وأعطيتها رقما وشيئا فشيئاً فككته كله ثم أعدت تركيبه ، وشغلته فأشتغل ، كاد قلبي يقف من الفرح ، استغرقت العملية ثلاثة ايام ، كنت آكل في اليوم وجبه واحده ، ولا اصيب من النوم الا مايمكنني من مواصلة العمل
وحملت النبا الى رئيس بعثتنا ، فقال : حسناً مافعلت ، الآن لا بد أن اختبرك ، ساتيك بمحرك متعطل ، وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه ، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل ، وكلفتني هذه العملية عشرة ايام ، عرفت أثناءها مواضع الخلل ، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة ، صنعت غيرها بيدي ، صنعتها بالمطرقة والمبرد
بعد ذلك قال رئيس البعثة ، وكان بمثابة الكاهن يتولى قيادتي روحياً قال : عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ، ثم تركبها محركاً ولكي استطع ان افعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد ، وصهر النحاس والالمنيوم بدلاً من ان اعد رسالة الدكتوراه كما اراد مني اساتذتي الالمان ، تحولت الى عامل ألبس بدلة زرقاء واقف صاغراً الى جانب عامل صهر المعادن كنت اطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت اخدمه وقت الاكل مع انني من اسرة ساموراي ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شي ، قضيت في هذه الدرسات والتدريب ثماني سنوات كنت أعمل خلالها مابين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم وبعد أنتها يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة وخلال الليل كنت اراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة
وعلم الميكادو الحاكم الياباني بأمري ، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة الآف جنيه انجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات والآت وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد فرغت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته وعندما وصلت الى " نجا زاكي" قيل ان الميكادو يريد ان يراني قلت : لن استحق مقابلته الا بعد أن انشي مصنع محركات كاملاً ، استغرق ذلك تسع سنوات وفي يوم من الايام حملت مع مساعدي عشرة محركات ، " صنع اليابان" قطعة قطعة ، حملناها الى القصر ودخل ميكادو وانحنينا نحييه وابتسم وقال : هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة هكذا ملكنا " الموديل" وهو سر قوة الغرب ، نقلناها إلى اليابان ، نقلنا قوة أوربا الى اليابان ، ونقلنا اليابان الى الغرب
يقول حافظ ابراهيم :
لا تلم كفِّى إذا السيف نبا00 صح منى العزم و الدهر أبى
رُب ساع مبصر فى سعيه 000أخطأ التوفيق فيما طلبا
مرحبا بالخطب يبلونى إذا00 كانت العلياء فيه السببا
إيه يا دنيا اعبسى أو فابسمى00 ما أرى برقك إلا خلبا
أنا لولا أن لى من أمتى 00خاذلاً ما بت أشكو النوبا
أمة قد فت فى ساعدها00 بغضها الأهل و حب الغربا
تعشق الألقاب فى غير العلا00 و تُفدى بالنفوس الرتبا
و هى و الأحداث تستهدفها 00تعشق اللهو و تهوى الطربا
لا تبالى لعب القوم بها00 أم بها صرف الليالى لعبا
ليتها تسمع منى قصةً00 ذات شجو و حديثا عجبا
كنت أهوى فى زمانى غادة00 وهب الله لها ما وهبا
ذات وجه مزج الله به 00صفرة تنسى اليهود الذهبا
حملت لى ذات يوم نبأً 00لا رعاك الله يا ذاك النبا
و أتت تخطر و الليل فتى 00و هلال الأفق فى الأفق حبا
ثم قالت لى بثغر باسم00ٍ نظم الدرّ به و الحببا :
نبَّئُونى برحيل عاجل00 لا أرى لى بعده منقلبا
و دعانى موطنى أن أغتدى00 علنى أقضى له ما وجبا
نذبح الدب و نفرى جلده 00أيظن الدب ألا يغلبا
قلتُ و الآلام تفرى مهجتى00 ويك ما تفعل فى الحرب الظبا
ما عهدناها لظبى مسرحا 000يبتغى ملهى به أو ملعبا
ليست الحرب نفوسا تشتهى 00بالتمنى أو عقولا تستبى
أحسبت القد من عدتها 00أم حسبت اللحظ فيها كالشبا ؟
فسلينى إننى مارستها 00و ركبت الهول فيها مركبا
و تقحمت الردى فى غارة 00أسدل النقع عليها هيدبا
قطبت ما بين عينيها لنا00 فرأينا الموت فيها قطبا
فدعيها للذى يعرفها 00و الزمى يا ظبية البان الخبا
فأجابتنى بصوت راعنى 00و أرتنى الظبى ليثا أغلبا :
إن قومى استعذبوا ورد الردى كيف تدعونىَ ألا أشربا
أنا يابانية لا أنثنى عن مرادى أو أذوق العطبا
أنا إن لم أحسن الرمى و لم تستطع كفاى تقليب الظبا
أخدم الجرحى و أقضى حقهم و أواسى فى الوغى من نُكبا
هكذا الميكاد قد علمنا أن نرى الأوطان أماً و أبا
ملك يكفيك منه أنه أنهض الشرق فهز المغربا
و إذا مارسته ألفيته حُوّلا فى كل أمر قلبا
كان و التاج صغيرين معاً و جلال الملك فى مهد الصبا
فغدا هذا سماء للعلا و غدا ذلك فيها كوكبا
بعث الأمة من مرقدها و دعاها للعلا أن تدأبا
فسمت للمجد تبغى شأوه و قضت من كل شئ مأربا
منقول
صفحة جديدة 2