"فوربس" الأمريكية: عندما تقول السعودية لـ"أوبك" اقفزوا.. ترد عليها: ما مدى الارتفاع؟
"فوربس" الأمريكية: عندما تقول السعودية لـ"أوبك" اقفزوا.. ترد عليها: ما مدى الارتفاع؟
المجلة سلطت الضوء عبر مقال مطول على إدارة المملكة لقطاع النفط عالميًّا |
صحيفة سبق الإلكترونية -
بالتزامن مع الاحتفال بذكرى ميلاد منظمة أوبك الستين، تتجلى حقيقة واضحة أمام العالم، وهي أن المملكة العربية السعودية عندما تقول للمنظمة "اقفزوا"، تبادر "أوبك" بالرد عليها قائلة: "ما مدى الارتفاع المطلوب؟".
هذا ما تمخّض عنه مقال نشرته مجلة "فوربس" الأمريكية للكاتبيْن جيم كران ومارك فينلي؛ حيث جاء في المقال أنه منذ أن توقفت حرب الأسعار الكارثية بين روسيا والسعودية بعد خمسة أسابيع من بدايتها، صححت المنظمة وضعها، داحضة ما يقال حول انهيارها، ليس ذلك فحسب بل يبدو أنها صححت أوضاع أسواق النفط العالمية في خضم انهيار غير مسبوق على الطلب.
وقال الكاتبان في مقالهما بالمجلة الأمريكية: بمجرد إيمان أعضاء "أوبك" المتقاعسين فجأة بمغزى "أوبك"، توقفوا عن الغش في الإنتاج؛ ليس ذلك فحسب؛ بل أصبحوا أكثر امتثالًا للتدابير الجيدة، أو باتوا يقطعون الوعود بالامتثال.
وأضافا: بقيادة المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين الذين خفضوا إنتاجهم بواقع مليون برميل يوميًّا وهو أقل من حصصهم، جاء امتثال عشرين دولة من دول أوبك+ بخفض يصل إلى 9.7 مليون برميل أي ما نسبته 108% بحسب التقارير في شهر يونيو الماضي.
وأشارت "فوربس" إلى أن موسكو والرياض عادتا إلى الطريق الصحيح، بعد أن تعرضت أسعار النفط لضربة قوية، ووصلت قيمة سلة أوبك إلى 43 دولارًا للبرميل في يوم الجمعة؛ مما يجعل الأمر يبدو كما لو أن السعودية تقول "اقفزوا!" ويرد أعضاء أوبك+: "ما مدى الارتفاع؟".
وطرح الكاتبان تساؤلًا مفاده "كيف وصلنا إلى هذا الحال؟"؛ مشيرين إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد لعب دورًا مفيدًا لجعل السعودية تتراجع عن حرب أسعار شهر أبريل التي تزامنت مع انهيار الطلب على النفط بسبب فيروس كورونا الجديد.
وأردفت المجلة: منذ ذلك الحين، تشير التطورات إلى وجود قيادة في المنظمة تتسم بقدر أكبر من الشدة والكفاءة. وتبدو بصمات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "الشاب الذي على عجلة من أمره" واضحة، وأيضًا بصمات أخيه غير الشقيق، وزير النفط الجديد الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والذي يسمى "التكنوقراطي الملكي"، الذي أثبت أنه يمتلك الشدة الكافية، وهذه ليست القيادة السعودية الحذرة التي كبرنا معها.
السيد اللطيف لم يعد موجودًا
وتابعت "فوربس": في الماضي، كانت السعودية تنتظر وصول البيانات المتعلقة بالغش "في الإنتاج"، ثم تصعّد الضغط ببطء، ومن ثم تنتقل إلى مرحلة الدبلوماسية الهادئة حتى تصل إلى التشهير علنًا والتهديد وحرب الأسعار كآخر الحلول. ولكن الحال لم يعد كذلك بعد الآن، فقبل أن تأتي أرقام الإنتاج في شهر يونيو، تجاوز الأمير عبدالعزيز التفاصيل المعتادة واختار مباشرة التهديد بحرب أسعار شاملة أخرى.
وأشارت إلى أنه علاوة على ذلك، طلب الأمير عبدالعزيز ممن مارسوا الغش، تقديم "تعويض" لعدم الالتزام السابق، وهذا يعني أنه يجب عليهم خفض 1.25 مليون برميل يوميًّا، وهي الكمية التي تجاهلوا خفضها في الأشهر السابقة.
يُذكر أن الأمير عبدالعزيز كان قد قال "ليس ثمة مجال على الإطلاق لعدم الامتثال". وصدقوا أو لا، لقد نجحت "هذه السياسة"؛ حيث أجبر السعوديون أنغولا ونيجيريا والعراق على الالتزام، ليس فقط بالامتثال لحصصهم؛ بل أيضًا بخفض في الإنتاج يعوض مقدار الغش الذي مارسوه في السابق. وكانت أنغولا تزيد الإنتاج بواقع 90 ألف برميل يوميًّا في شهر مايو، ونيجيريا بواقع 175 ألف برميل يوميًّا، والعراق بواقع 600 ألف برميل يوميًّا. ومن جانبها، ضغطت روسيا على كازاخستان، التي كانت تزيد الإنتاج بواقع 125 ألف برميل يوميًّا، للقبول بالاتفاقية ذاتها.
الثواب والعقاب والتهور
وأوضح الكاتبان جيم كران ومارك فينلي، أن الرياض توظف مبدأ "الثواب والعقاب"، ولكن تعامل السعودية القاسي هذا تجاه بغداد يتناقض مع نهجها المتمثل في تعيينها سفيرًا جديدًا وملحقًا تجاريًّا في سفارتها التي أعيد افتتاحها حديثًا، بعد أن كانت مغلقة لمدة 25 عامًا، بالإضافة إلى عدد كبير من وعود القروض والاستثمارات، التي من بينها تمويل تطوير حقل غاز عكاز.
وقالا في مقالهما: من غير الواضح ما إذا كان هنالك ثواب من نصيب أنغولا ونيجيريا لتغيير مواقفهم، وبالتأكيد كان هنالك عقاب؛ حيث حذر الأمير عبدالعزيز مؤخرًا وفود أوبك في البلدين، قائلًا: "نحن نعرف من هُم عملاؤكم". وفي بداية شهر يوليو، رفضت أنغولا إجراء خفض في الإنتاج، ليس ذلك فحسب بل أيضًا أبَت التوقف عن الغش، وبعد بضعة أيام وافقت لواندا على الامتثال لكل الإجراءات. وفي أواخر شهر يونيو، اتصل ولي العهد السعودي بالرئيس النيجيري بخاري؛ حيث تعهدت أبوجا بالامتثال الكامل هذا الشهر.
وأردف الكاتبان: ببساطة، قد تكون أنغولا ونيجيريا قد تأثرتا بالسعودية في شهر أبريل، عندما شنت حرب أسعار فورية، ودعمت المملكة تهديدها بزيادة ضخمة في الإنتاج؛ حيث وصل إلى 12 مليون برميل يوميًّا في الوقت الذي كان فيه فيروس كورونا الجديد يقود أسعار النفط إلى الهاوية، وكان كل منتج للنفط على هذا الكوكب قد انتابه الذعر، وليس فقط متقاعسي أوبك. وقد يكون هذا التهور هو العقاب الذي يدعم مطالب تعويضات الأمير عبدالعزيز.
التغير المناخي يدعم تطبيق الحصص
وذكرت المجلة أن الصورة الأشمل تجعل ممارسة الغش غير محبذة، وهنالك قابلية لدى منتجي النفط الذين لا تتفق معهم السعودية على التعثر، وخير شاهد على هذا هي ليبيا التي كانت فيما مضى عنيدة؛ إذ لم تستطع ليبيا إنتاج النفط إلا بكمية قليلة بواقع 90 ألف برميل يوميًّا في شهر مايو وسط حرب أهلية، وتعتبر هذه الكمية 5% فقط مما كانت تنتجه ليبيا في عام 2010م والتي كانت تبلغ 1.8 مليون برميل يوميًّا.
وأشارت إلى تعرض شبكات الإنتاج في فنزويلا وإيران، المنافستين في منظمة أوبك للسعودية، للتوقف شبه الكامل بنتائج كارثية مساوية لما حدث في ليبيا، وجاء هذا التوقف في الإنتاج بسبب العقوبات الأمريكية، التي تفاقمت في حالة فنزويلا بسبب سوء الإدارة الداخلية. ويذكر أن قطر قد انسحبت تمامًا من المنظمة.
وقال الكاتبان في مقالهما بمجلة "فوربس": ثمة هدفان للتدخل المباشر، فهو ليس لمعاقبة الأنظمة المتمردة فحسب، بل أيضًا لمكافأة الحلفاء بجزء من الحصة السوقية للنظام الذي مارس الغش. ويظهر أن أوبك تصبح أكثر صرامة مع بدء العمل المناخي في إثارة قلقها حول الطلب على النفط ويصبح تطبيق نظام الحصص أكثر أهمية.
يُذكر أن نجاح "أوبك" على المدى القريب في إدارة السوق يواجه العديد من العقبات، ومن بينها -في حال استمرار الأسعار في الارتفاع- انتعاش إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. وإن خفض أوبك الحالي جدير بالملاحظة، والذي بدأ منذ عام 2017م. وبصرف النظر عن العقبة قصيرة المدة في شهر أبريل، فمن الممكن أن يستمر خفض الإنتاج طوال الفترة القادمة حتى عام 2022م، مع استمرار التعامل بالخفض في الإنتاج طوال الفترة وتعافي الطلب على النفط من آثار القيود المفروضة على التنقل الناجمة عن فيروس كورونا الجديد.
هكذا تمكنت السعودية من "الخلطة السرية"
وقالت المجلة: مثل أي منظمة أخرى، واجهت منظمة أوبك/أوبك+ صعوبات تاريخية في فرض القانون على غير الملتزمين، وبالنسبة للرياض، فإن فوائد الانضباط الأفضل واضحة، وهناك حاجة ماسة لارتفاع أسعار النفط لتمويل رؤية ولي العهد لعصرنة المملكة؛ في حين أن انضباط المتقاعسين بصورة أفضل، من شأنه أن يؤدي إلى تقاسم الأعباء بين أعضاء أوبك وعدم تحمل السعودية العبء وحيدة.
وتساءل المقال: هل وجدت السعودية أخيرًا "الخلطة السرية؟" أم أن الانضباط اليوم -مدفوعًا بأكبر انخفاض على الإطلاق في الطلب على النفط- سيتلاشى جنبًا إلى جنب مع الفيروس؟ إن من السابق لأوانه معرفة ذلك، ولكن استعداد السعودية الجديد للعمل يجب أن يدفع المتقاعسين في أوبك إلى إعادة التفكير قبل ممارسة الغش.
واختتم جيم كران ومارك فينلي مقالهما بالقول: على الرغم من ذلك، وفي نهاية المطاف، فإن الكثير من حروب الأسعار تقوض مهمة أوبك الشاملة المتمثلة في إمكانية أكبر للتنبؤ وتقلب أقل في السوق، وفي أسواق النفط القليل من "الجنون" يساعد كثيرًا.
صفحة جديدة 2
__________________