على الأرض كانت الساعة تشير إلى قرب انتصاف الليل في بغداد، والأجواء تسير بوتيرة عادية في مطارها الدولي، ولكن سرعان ما تصاعدت الأجواء بشكل مفاجئ وسط ترقب لوصول شخصية مهمة، في زيارة لم يكن مخططا لها.
وظهر في صالة استقبال المطار أبومهدي المهندس نائب رئيس مليشيات الحشد الشعبي، رفقة بعض قيادات المليشيات، الذين أتوا خصوصا لاستقبال الضيف القادم من لبنان على متن طائرة تابعة لشركة أجنحة الشام.
وفي السماء كانت الطائرات الأمريكية المسيرة تتهيأ لاستقباله بحرارة بالغة ولكن على طريقتها الخاصة، تنفيذا للقرار الذي تم اتخاذه مسبقا وصدق عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيا.
وبعد وصول الضيوف المهمين استقل الجميع مركبتين متجهين إلى المدينة، وحينها انهمرت صواريخ الكاتيوشا، وحدث ما سيغير الوضع في منطقة الشرق الأوسط ويقلب موازين القوى.
أسفرت الضربة الجوية الأمريكية عن مقتل قاسم سليماني قائد مليشيا فيلق القدس الإيرانية، رفقة أبومهدي المهندس وآخرين.
فمن هو قاسم سليماني؟
ولد سليماني في مدينة قم عام 1957 ونشأ في قرية رابور، التابعة لمحافظة كرمان جنوب شرقي إيران، من أسرة فقيرة، وكان والده عامل بناء، ولم يستطع سليماني إكمال تعليمه سوى لمرحلة الشهادة الثانوية فقط.
بعدها عمل في دائرة مياه بلدية كرمان، حتى نجاح ثورة الخميني عام 1979، لتنقلب حياته رأسا على عقب ويتخلص من حياة الفقر المدقع إلى الثروة الفاحشة التي جناها على دماء أبناء الشعوب العربية والإيرانية على حد السواء، حيث انضم سليماني إلى مليشيا الحرس الثوري وتدرج فيها حتى وصل إلى قيادة فيلق القدس منذ عام 1998.
وفيلق القدس مليشيا خاصة، تضطلع بمسؤولية تنفيذ العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج الأراضي الإيرانية، ويتمحور عملها حول نشر الخراب والدماء في البلاد العربية كما في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
وبرز قائد فيلق القدس، الذي كان يعيش خلف ستار من الظلام والسرية لإدارة العمليات السرية في الخارج، لتحقيق النجومية في إيران.
وأصبح الرجل -الذي لم يكن يتعرف عليه معظم الإيرانيين في الشارع حتى وقت قريب- مادة رئيسية لأفلام وثائقية ونشرات أخبار، ولتكتب طائرة مسيرة أمريكية نهاية درامية لحياة رجل إيران القوي، الذي عشق العزف على دماء الأبرياء.
لكن يظل السؤال: هل مقتل قاسم سليماني كافٍ لإنهاء الوجود الإيراني في العراق؟ وكيف سترد إيران على الضربة الأمريكية؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.