عمران خان.. نجم الكريكيت الساطع في السياسة
عمران خان.. نجم الكريكيت الساطع في السياسة
لم يكن يخطر ببال عشاق لعبة الكريكيت الشعبية في باكستان أن نجم اللعبة الأول في بلادهم، الذي قاد فريقهم الوطني إلى سلسلة من الانتصارات في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي قبل أن يعتزل عام 1992؛ سيدخل لعبة السياسة ويغدو نجما في حلبتها أيضا، ويسجل الهدف الأكبر في مرمى الأحزاب السياسية التقليدية، ويتوّج بطلا في البرلمان الوطني في انتخابات 2018 بحصوله على أعلى الأصوات حتى إن لم يحقق الأغلبية المطلقة.
لم تكن لعبة الكريكيت وشعبيته الكاسحة فيها السلم الوحيد الذي صعد عليه عمران خان إلى سدة السلطة، فهو صاحب رصيد كبير وقديم من العمل الخيري باشر فيه بعد اعتزاله اللعب في باكستان ودول آسيوية أخرى، وتوّجه ببناء مستشفى لأبحاث السرطان وعلاجه في مدينة لاهور عام 1994، أطلق عليه اسم "شوكت خانم" والدته التي توفيت بالسرطان.
استثمر عمران دراسته الأكاديمية في مجال السياسة والاقتصاد، فقد درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية كيبل في أكسفورد، وتخرج بالمرتبة الثانية في السياسة، والمرتبة الثالثة في الاقتصاد، وذلك بعد أن أنهى تعليمه الأساسي في كلية أيتشسون العريقة التي تأسست في لاهور عام 1886، ثم مدرسة القواعد الملكية في ورسيستر في إنجلترا.
التعليم الجيد الذي تلقاه عمران خان كان بفضل الحالة الميسورة نسبيا لوالده "إكرام الله خان نيازي" الذي كان يعمل مهندسا مدنيا في مدينة لاهور حيث ولد عمران عام 1952، وينحدر الوالد من قبيلة "نيازي شيرمان خيل" البشتونية.
استثمار النجومية
سطع نجم عمران في لعبة الكريكت مبكرا، وقاد فريق بلاده إلى الفوز بكأس العالم عام 1992، واحتفل الباكستانيون ببطلهم داخل البلاد وخارجها؛ وقد حاز جوائز محلية وآسيوية ودولية في اللعبة حتى بات رمز باكستان الأول في هذه الرياضة.
انتقل عمران خان إلى العمل السياسي بشكل فعلي عام 1996 عندما أسس حزبه "حركة إنصاف" رافعا شعار "إنصاف، إنسانية، احترام الذات"، وكانت تجربته الانتخابية الأولى عام 1997 مريرة، إذ فشل في الحصول على أي مقعد.
وفي انتخابات 2002 تحسن وضع الحزب قليلا، ففاز عمران بمقعد واحد فقط، ثم غاب عن البرلمان في الدورة التالية لمقاطعته الانتخابات؛ إلا أن انتخابات 2013 شهدت قفزة كبيرة للحزب بحصوله على 35 مقعدا بنسبة 16.9% من الأصوات، وبات الحزب الثالث في البلاد.
وكانت انتخابات 2018 موسم نجومية عمران خان وحزبه، بتحقيق فوزا كاسحا لم تتوقعه أي من استطلاعات الرأي، وربما الحزب نفسه لم يتوقع هذا الفوز.
عمران خان يحظى بشعبية واسعة في أوساط الشباب الباكستاني (رويترز) برنامج وتجربة
كان لعمران خان دور بارز في الاحتجاجات على الحكومات المتعاقبة، ولا سيما حكومة برويز مشرف الذي وضعه تحت الإقامة الجبرية عامي 2007 و2009 بعد فرض مشرف حالة الطوارئ وتمسكه بالسلطة، رغم أن عمران كان قد أيد انقلاب الجنرال مشرف على نواز شريف عام 1999 باعتبار أنه وقع لمحاربة الفساد وحماية كيان الوطن.
قدم عمران خان تجربة متميزة في حكم إقليم بختونخواه، مسقط رأسه، طبّق فيها دعواته المتكررة لمحاربة الفساد وإصلاح الأوضاع المتردية للخدمات مثل التعليم والصحة، وهو ما أقنع الناخب بجدوى التصويت لعمران وتجربته، ولذلك تقدمت حركة إنصاف بشكل كبير في إقليم بختونخواه بالانتخابات الأخيرة، وحققت نسبا مرتفعة في الأقاليم الأخرى التي كانت معقلا للأحزاب التقليدية.
وعلى مدى سنوات عمله السياسي، حظي عمران خان بشعبية كبيرة في أوساط الشباب، وخصوصا في أوساط المتعلمين الراغبين في تغيير احتكار الأحزاب التقليدية الكبيرة للحياة السياسية في بلد المئتي مليون نسمة، وهو مجتمع شبابي إلى حد كبير.
تضمن برنامج خان السياسي وتصريحاته: القيم الإسلامية، وما كرس نفسه له خلال فترة التسعينيات من الاقتصاد المتحرر، والوعد بتحرير الاقتصاد، وخلق دولة الرفاه؛ وذلك بتقليل البيروقراطية، وبقوانين مكافحة الفساد، وضمان حكومة نظيفة؛ وذلك بتأسيس قضاء مستقل، وإصلاح نظام شرطة الدولة، ومجابهة الرؤية العسكرية لباكستان ديمقراطية.
وفي خطاب الفوز، أكد عمران خان على ما ورد في برنامجه الانتخابي، فقال إن دولة الرفاه التي يحلم بها هي "دولة المدينة" التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، القائمة على العدل والمساءلة السياسية والإصلاح الاقتصادي وتقوية المؤسسات والتخفيف من وطأة الفقر.
وفي السياسة الخارجية لحكومته، ستكون الأولوية لتحسين علاقة بلاده مع كل الدول، أفغانستان والسعودية وإيران، وتعزيز العلاقات القوية مع الصين التي قال إنها ستكون محطته الأقوى في العلاقات الاقتصادية، ومحاولة تسوية القضايا مع الهند.
وعن العلاقة مع الولايات المتحدة -وهي من الملفات المهمة في برنامجه- أكد على تمتين العلاقة مع واشنطن على قاعدة الندية والمصالح المتبادلة لا التبعية، بقوله إن "العلاقة لن تكون في اتجاه واحد".
ومن اللافت في خطاب عمران عقب فوزه أنه كان أول زعيم سياسي يقدم خطابه كاملا باللغة الأوردية، رغم إتقانه الإنجليزية، بخلاف السياسيين الباكستانيين المولعين بالتحدث بالإنجليزية حتى في الخطابات الرسمية.
زواج عمران خان من بشرى مانيكا المتدينة غيّر من انطباع الشارع الباكستاني عنه (مواقع التواصل)
الحياة الخاصة
الحياة الخاصة لعمران خان لم تكن مستقرة، فقد بدأ حياته العائلية عام 1995 حين كان مقيما في بريطانيا، بالزواج من منتجة الأفلام والوثائقيات "جميما غولدسميث" المنحدرة من عائلة بريطانية يهودية، وانفصل عنها عام 2004، بعد أن رزق منها بطفلين.
ثم تزوج عام 2015 من رهام خان، وهي صحفية ومقدمة النشرة الجوية في بي بي سي، ثم طلقها بعد عشرة أشهر. وأخيرا تزوج من بشرى مانيكا التي كانت مرشدته الروحية على الطريقة الصوفية، وهي متدينة وأم لخمسة أطفال.
وكان زواجه من جميما مصدر إزعاج وهجوم من خصومه، بسبب أصلها اليهودي رغم اعتناقها الإسلام، لكن حساسية الشارع الباكستاني تجاه مسائل الدين وإسقاطات الديانة اليهودية على القضية الفلسطينية التي يتعاطف معها الشارع الباكستاني وسياسيوه على حد سواء، شكّل نقطة ضعف لعمران استفاد منها خصومه.
إلا أن انفصاله عن جميما وزواجه من بشرى التي ترتدي الحجاب وحديثه المتكرر عن اعتزازه بالقيم الإسلامية، غيّر من الصورة النمطية التي أخذت عنه في بداية نشاطه السياسي، خصوصا في مسقط رأسه إقليم بختونخواه المعروف بالمحافظة الشديدة في القضايا الاجتماعية والدينية.
منقول
صفحة جديدة 2
__________________
[