تسونامي جدة ... لا أحد يريد الاعتراف بالخطأ
تسونامي جدة ... لا أحد يريد الاعتراف بالخطأ)
الأخطاء في كل مكان ؛ في المدينة أخطاء ، وفي المسجد أخطاء ، وفي المدرسة أخطاء ، وفي الشارع أخطاء ، ومع الزوجين تحدث أخطاء.
الأخطاء رفيقة ابن آدم ؛ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ).
لا معصوم من الخطأ إلا الأنبياء فقط ؛ أما باقي البشر فليسوا معصومين من الخطأ ؛ بل كلما عملت أكثر وبذلت جهداً أفضل ، كلما كانت هناك أخطاء وأخطاء تحدث بكل عفوية ، وبدون حرج.
إذاً .. مع كل هذا الكم الهائل من الأخطاء ، والمخالفات التي قد نقع فيها رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً يتبادر إلى الذهن سؤال برئ : هل تعترف بالخطأ إذا وقعت فيه؟.
مثلاً : إذا تأخرت في إحضار طلبات المنزل هل تعترف لزوجتك بأنك مخطئ أم تعتبر ذلك من ضعف الشخصية، والانهزامية أمام المرأة؟.
إذا أخطأت على زميلك في العمل هل تعترف بكل قوة لتقول له أنا المخطئ 100% وأنت المصيب 100% أم أن المراوغة والبحث عن الأعذار هو ديدنك وطبيعتك؟.
في البيت والمنزل أي مع الأبناء هل تصارحهم وتفتح لهم صدرك لتقول لابنك أو ابنتك أو زوجتك .. سامحوني لأنني رفعت صوتي عليكم فأنا مخطئ في هذا الأمر، أم أنهم لا يستحقون منك الضغط على مشاعرك وإخراجها بكل صراحة ومصداقية لتقول لهم أنا مخطئ؟.
(عدم الاعتراف بالخطأ) ... بالطبع؛ هذه هي حال مجتمعاتنا العربية ، والإسلامية ، وربما أقول العالم أجمع إلا ما رحم ربي.
لماذا لا نعترف بالخطأ إذا كنا مقرين ومعترفين بأن لا معصوم في هذه الأرض إلا الأنبياء عليهم السلام؟.
بل إن هناك موروث قديم من الأمثلة الخاطئة التي لا تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة : مثلاً : ( البنت ما تخطي )،(المرأة رأس المصائب)،(العامل ما له أمان)،(الأب ما يخطي)،(الشايب ما يكذب) وغيرها من الأمثال التي تظهر وتختفي حسب الحاجة إليها المهم أن يرمى الخطأ على فئة ، وينفى عن فئة أخرى ، وعند حدوث خلاف مع طرف ثالث أيضاً يحول الخطأ إليه وهكذا نعيش في دوامة من التناقضات قد لا تنتهي.
مثلاً : أي مدير في أي مكان ما معرض للخطأ والزلل والنقصان فهل سمعت أو شاهدت مديراً ما ، أو قرأت عن وزير ما ، أو مسؤول ما وقف أمام المسؤولين وقال : المشروع الفلاني خطأ في خطأ والمتسبب فيه أنا!!.
طبعاً مستحيل أو شبه مستحيل أو من النوادر التي تظهر كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
أن يعترف المدير أو المسؤول بالخطأ نعم وألف نعم أما أن يرمي الخطأ على نفسه فهذا لا ولا وألف لا .
قد يقال بأن الشركة بأكملها قصرت ، أو أن الوقت قد داهمنا ، أو أن الظروف لم تكن في الحسبان .. إلى هذا الحد وفقط .
أما الاعتراف بالخطأ فلا . وأقرب مثال ما حدث ويحدث في تسونامي جدة تلك السيول التي جرفت البشر والحجر .. من المسؤول؟ لا أحد يريد الاعتراف بالخطأ !!.
بالله عليكم لو طبقنا قانون ( الاعتراف بالخطأ ) هل ستبقى مشكلة لدينا بلا حل أو مصيبة تستعصي على التزحزح ؟!!.
هل كانت ستقع كارثة تسونامي جدة؟.
هل كانت ستطفوا الجثث على الماء؟.
هل كنا سنرى ركام من السيارات كأكوام حديد السكراب؟.
هل كانت المباني لتتهاوى وتهجر وكأننا في حرب؟.
هل كنا سنعرض سمعتنا للضحك والشماتة من بعض الدول لتقول : أين سدودكم؟ .. أين تجهيزاتكم؟ .. أين ملياراتكم؟.
لا شيء كان طوال هذه الفترة إلا أنجزنا ، وقمنا ، وسعينا ، والسؤال: هل هناك خطر ما يمكن أن يقع لم تعدوا له؟.
بالطبع لا .. نحن لا نعرف الأخطاء أقصد أنتم لا تعترفون بالأخطاء.
وفي ذلك قال صلي الله عليه وسلم " من كانت له مظلمة عند أخيه في عرض أو مال فليتحلله منه قبل أن يأتي يوم لا دينار فيه ولا درهم " بل وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " من أصبت من ماله فهذا مالي فليقتص منه ومن أصبت ظهره فهذا ظهري فليقتص منه ".
أنظر أطهر البشر المعصوم من الخطأ يقول هذا الكلام .. فما حالنا الذين نخطئُ بالليل والنهار ، وفي السر والعلن ، وفي حق الخالق سبحانه والخلق.
الاعتراف بالخطأ طريق إلى قبول التوبة من الله ، أما التكبر والتعالي فهو نهج فرعون وطريق إبليس والمصير إلى النار . هذا في الآخرة.
وكذلك في الدنيا التغافل عن أخطاء النفس وتتبع أخطاء الآخرين هو ما يجلب المقت والنفور والكراهية في النفوس بل والحقد والحسد وربما الفرقة إذا كانا زوجان ، أو صديقان حميمان.
ما المانع من أن تكون قاضياً وشاهداً على نفسك عند الخطأ؟. لماذا لا تقول لنفسك وخصمك ولجميع الناس أنا صادق مع نفسي ومع الناس إن أخطأت قلت أنا مخطئ فسامحوني وأرجوا المعذرة ، وإن كنت على حق وصواب أخبرتكم به بكل صدر رحب .
نعم ؛ قد يواجه المعترف بالخطأ نوع من الغضب ، وربما الذم ، وربما العكس نوع من الإعجاب ، والتقدير لشجاعته ؛إلا أنه في النهاية سيجد السعادة والراحة عندما يضع رأسه على الوسادة لينام وقلبه مرتاح وضميره يزداد انشراح.
وأنا في النهاية لن أتغافل عن قانون (الاعتراف بالخطأ) الذي وضعه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل سأتبعه وأقول : ( كاتب المقال ليس معصوماً من الخطأ؟!!) بالطبع هذا سؤال آثرت أن أجعل نهايته هنا لأقول لكم : بل .. صاحب المقال مليء بالأخطاء ، ولن تتوقف أخطائه حتى تتوقف أنفاسه .
فياليت أن أمانة جدة وباقي الأمانات في المملكة تتبع قانون الاعتراف بالخطأ ، وتسير على نهجه بدلاً من أن تلزم به، وتقع في حفرة أعمالها إن لم يكن في الدنيا ففي دار الآخرة عند القوي العزيز.
وفي النهاية أقول: كلنا يعلم بأن الأخطاء التي كشفتها سيول جدة قد تتكرر في أي مدينة من مدن المملكة لا سمح الله؛ وبالتالي نردد ( اليوم تسونامي جدة وغداً تسونامي ...... ).
أتمنى من الله أن لا يجعلنا عظة وعبرة للغير؛ فالسعيد من أتعظ بغيره، والشقي من أتعظ غيره به.
عبد العزيز جايز الفقيري
صفحة جديدة 2