حي بشهادة وفاة – الجزء الثاني: حين تتحول السيرة إلى رواية، والحياة إلى إرث خالد

بقلم رشيد الرشيد
في عالمٍ تتزاحم فيه الروايات والقصص، تأتي رواية «حي بشهادة وفاة – الجزء الثاني» لتشكل حالة استثنائية، إذ لا تكتفي بسرد أحداث خيالية أو حبكات متخيلة، بل تنهل من معين الواقع لتروي سيرة رجلٍ صنع بصمته في الصناعة كما صنعها في القلوب: فهد بن ناصر الشايع، رائد الصناعة والتبريد ورمز العطاء في المملكة العربية السعودية.



من السيرة إلى الأدب

في الجزء الأول من الرواية، قدّم الكاتب عبدالإله بن فهد الشايع صورةً حية عن والده، الرجل البارّ الذي حمل هموم أسرته ومجتمعه، تاركًا أثرًا يتجاوز حدود العمل إلى عمق الإنسانية. أما الجزء الثاني المرتقب، فيواصل هذه الرحلة، حيث تتحول السيرة الذاتية إلى نصٍّ أدبيٍّ نابض بالحياة، يتقاطع فيه التاريخ مع العاطفة، والعمل مع القيم.

الرواية ليست مجرد تكريمٍ لذكرى والدٍ راحل، بل نافذة يطل منها القارئ على قصة كفاحٍ وطنية، وتجربة شخصية جمعت بين الحلم الصناعي والرسالة الإنسانية.

فهد بن ناصر الشايع: الحلم الذي صار صناعة

وُلد فهد بن ناصر الشايع في روضة سدير عام 1378هـ، وتشكل وعيه في بيئة غنية بالقيم والإيمان. تخرّج في كلية الإدارة بالرياض، ليضع خطواته الأولى في مسار سيجعل منه رائدًا في الصناعة السعودية.

بدأت رحلته في مطلع الثمانينيات الهجرية حين أسس أول مصنع لصقل الحديد بالمملكة، ثم قدّم أول برادة مياه محلية عام 1983هـ، فاتحًا الباب أمام صناعة وطنية تنافسية.

لم يكن الحلم محدودًا؛ بل توسع إلى تأسيس مصانع الكوثر والفرات وحصاد الذهب، وامتلاك علامات تجارية عالمية ومحلية، منها إيكو للمطابخ، ماكسيما الإيطالية، وبانكول السعودية. لقد كان يؤمن أن الصناعة ليست أداة للربح فحسب، بل مسؤولية تجاه الوطن وأبنائه.



الجانب الآخر: إنسان قبل أن يكون صانعًا

لم يكن فهد بن ناصر الشايع رجل أعمال تقليديًا، بل كان نموذجًا للإنسان الذي يرى في العطاء امتدادًا لرسالته. فقد دعم مشروعات تعليمية وخيرية، وأسهم في تأسيس جامعة القرآن والسنة في الهند، وكفل تعليم أكثر من 4500 طالب سنويًا.

داخل أسرته، كان الأب الحنون والقدوة، وخارجها، كان رجلًا دمث الخلق، يجمع بين التواضع والكرم، وهو ما جعل ذكراه محفورة في وجدان كل من عرفه.

الرواية كمرآة للذاكرة

عندما قرر ابنه عبدالإله أن يكتب رواية “حي بشهادة وفاة”، لم يكتب فقط عن رجلٍ عاش ومضى، بل كتب عن قيمةٍ إنسانية وعن زمنٍ من الكفاح السعودي. الجزء الثاني من الرواية يأتي ليكمل هذا المشروع، فيعيد تقديم فهد الشايع للأجيال الجديدة لا كرجلٍ رحل، بل كرؤيةٍ لا تزال حيّة: رؤيةٌ تقول إن العمل مقرون بالقيم، وإن الصناعة بلا إنسانية لا تُثمر.

الرحيل والخلود

في 15 سبتمبر 2023م، غاب فهد بن ناصر الشايع عن الدنيا، لكن غيابه لم يكن نهاية. ترك إرثًا من المصانع والإنجازات، لكنه الأهم، ترك إرثًا من الأخلاق والبر والعطاء. ومن هنا، تتحول الرواية إلى شهادة، ليس عن رجلٍ واحد، بل عن مرحلة صنعت جزءًا من تاريخ المملكة الصناعي والإنساني.

كلمة أخيرة

«حي بشهادة وفاة – الجزء الثاني» ليست رواية تقرأها فتغلقها وتطويها، بل هي رحلة مع روحٍ باقية في القلوب والذاكرة. إنها رواية عن وطنٍ في رجل، ورجلٍ في وطن، عن فهد الشايع الذي كان حيًّا في حياته، ولا يزال حيًّا في شهادته