إيران تفصح لاول مرة عما تريده من اليمن
إيران حين أوعزت لوكلائها الحوثيين بغزو مناطق اليمن والسيطرة على مقاليد الدولة كانت تريد بالأساس إحداث نقلة نوعية في مدّ نفوذها بالمنطقة، لكن الممانعة الخليجية والرد الحازم بقيادة السعودية والإمارات أوجدا حقائق على الأرض مغايرة تماما للحسابات الإيرانية.
وكشفت تصريحات لرئيس الحرس الثوري الإيراني السابق الجنرال محسن رضائي عن حجم التدخل الإيراني في اليمن وسعي طهران لإلحاق هزيمة على أرض هذا البلد بغريمتها الأكبر، المملكة العربية السعودية، ليكون ذلك بمثابة منعرج في مدّ نفوذها وتثبيته بالمنطقة.
وقال رضائي خلال جنازة الجنرال حسين همداني أكبر قائد عسكري إيراني يسقط في سوريا أثناء قتاله إلى جانب نظام بشار الأسد “إذا حققت السعودية والتكفيريون نصرا في سوريا والعراق واليمن، فإن العالم الإسلامي سيعود خمسة قرون إلى الوراء”.
وهذه التصريحات أكثر الأدلة إشارة على حجم الضلوع الايراني في النزاع المسلّح باليمن الذي تعامله طهران على أنّه جبهة واحدة أسوة بسوريا والعراق حيث تخوض إيران عن طريق وكلائها بمشاركة نخب من قواتها وخبرائها ومقاتليها مواجهة مستمرة مع خليط مربك من الإسلاميين والوطنيين.
وفي البلدان الثلاثة استخدمت طهران ذات العامل الطائفي للنفاذ إلى ساحاتها، حيث تدعم في سوريا نظام دمشق الذي تمثّل الطائفة العلوية نواته الصلبة، ولم تتردّد في وضع تدخّلها المباشر على الأراضي السورية أو عبر ميليشيات تابعة لها في مقدمتها ميليشيا حزب الله اللبناني تحت عنوان حماية مواقع مقدّسة لدى الشيعة مثل مرقد السيدة زينب في دمشق.
وفي العراق يبدو الحضور الإيراني أشدّ كثافة سواء في أروقة الحكم عبر الأحزاب الشيعية الممسكة بزمام السلطة، أو على الأرض عن طريق عدد هائل من الميليشيات التي تحوّلت بمناسبة الحرب ضدّ تنظيم داعش إلى ما يشبه الجيش بانضوائها ضمن ما بات يعرف بالحشد الشعبي.
وفي اليمن لم يختلف التكتيك الإيراني في استثمار العامل الطائفي لإيجاد وكلاء محلّيين، عنه في العراق وسوريا، إلاّ أن النتائج اختلفت جذريا بوجود ممانعة خليجية قوية للتمدد الإيراني سرعان ما تمت ترجمتها إلى تحالف عسكري مثلت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة عموده الفقري، ونجح عن طريق عملية عسكرية أطلقها في مارس الماضي في توجيه ضربات قاصمة لميليشيات الحوثي التابعة لإيران والمتحالفة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ومثّل الردّ الخليجي الحازم على إيران في اليمن مفاجأة لخبراء الشؤون العسكرية عبر العالم، والذين لم يعهدوا من بلدان الخليج تدخّلا مباشرا خارج حدودها. وشملت المفاجأة إيران بحدّ ذاتها التي أفسدت عملية “عاصفة الحزم” حساباتها وخلطت أوراقها، بعد أن بدا خلال الأشهر الأولى للغزو الحوثي أن وكلاءها في طريق مفتوح للهيمنة على مختلف مناطق اليمن.
ورغم أن مسار المعركة الجارية في اليمن حاليا يتجّه نحو هزيمة الحوثيين، وبالنتيجة إيران، إلاّ أن الأخيرة لم تبد بوارد التخلّي عن محاولتها إلحاق هزيمة بالسعودية هناك، أملا في أن تنفتح أمامها أبواب السيطرة على المنطقة انطلاقا من اليمن ذي الموقع الاستراتيجي المشرف على أحد أهم الطرق البحرية العالمية ومن ضمنه مضيق باب المندب الذي تمكنت قوات التحالف العربي مؤخّرا من انتزاعه من يد ميليشيات الحوثي.
وبفعل الرقابة الصارمة التي تفرضها قوات التحالف العربي خصوصا على المنافذ البحرية لليمن، واجهت إيران صعوبات كبيرة في إمداد ميليشيات الحوثي بالسلاح حيث تم مؤخرا احتجاز مركب إيراني محمّل بأسلحة إيرانية كان في طريقه إلى أحد الموانئ اليمنية.
ويرى مراقبون أن تكثيف إيران خلال السنوات الماضية من تدخّلها في عدد من بلدان الإقليم يعكس “وهما إيرانيا بالتحوّل إلى قوّة عظمى بعد انكسار خصمها اللدود نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتفرّغها لتقوية جيشها ورفده بالأسلحة سواء المشترى منها بأموال النفط أو المصنّع محلّيا”.
ويعكس جانب من الخطاب الإيراني تقديم طهران نفسها كأحد أعضاء نادي القوى العالمية العظمى التي لها مصالح تعمل على الدفاع عنها بالتدخل خارج حدودها. ونقل أمس موقع الحرس الثوري عن محسن رضائي قوله إن “أمننا لا يقتصر على حدودنا فقط، بل مرتبط بالمنطقة بأكملها”، مضيفا “همداني استشهد في سوريا كي لا يصل انعدام الأمن إلى طهران”.
ولا تراهن دول الخليج على التحالفات وحدها في مواجهة محاولات التمدّد الإيراني، بل قطعت أشواطا في رفع مستوى قواتها المسلّحها وتجهيزها بأحدث الأسلحة والمعدّات مستخدمة في ذلك جزءا من عائدتها المالية الوفيرة المتأتية من تصدير النفط.
وقالت مصادر مطلعة أمس إن فرنسا والسعودية ستتفقان على عقود تسليح كبيرة عندما يزور رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس المملكة الثلاثاء.
ويوضّح توجّه السعودية المرتبطة تقليديا بالخبرة الأميركية في المجال العسكري إلى السوق الفرنسية رغبة الرياض في تنويع الشركاء وضمان تعدّد الحلفاء في ظل بوادر تراجع الدور الأميركي في المنطقة.
ويعكس الجهد الحربي المبذول من السعودية في اليمن وعيا بـ”مصيرية” المعركة هناك، فقد ألقت المملكة بكلّ ثقلها المالي والدبلوماسي والعسكري لكسبها، ووجدت في دولة الإمارات العربية المتحدة ظهيرا قويا ليس فقط بحجم القوات الإماراتية المشاركة في القتال، وأيضا في الوسائل المادية والبشرية المستخدمة من الإمارات في تثبيت الاستقرار وإعادة الخدمات إلى المناطق اليمنية المحرّرة، ولكن أيضا باستخدام القوّة الدبلوماسية الإماراتية دفاعا عن مشروعية التدخل في اليمن.
ـ العرب اللندنية
صفحة جديدة 2
__________________